جماليات الخط العربي

تنوع الخطوط العربية وتعدد أشكالها منحها خصائص جمالية قلما تشاهدها في خطوط الأمم الأخرى .

فالخط العربي يعتبر أرقى وأجمل خطوط العالم قاطبة ، حيث له من الحسن في شكله وهندسته وبديع نسقه ما جعله محبوباً حتى من الأجانب الغربيين .

إن البدايات الأولى للاهتمام بالخط العربي كان مبعثها المعرفة والتعلم ، ثم بعد ذلك وضعت القوانين والأسس الموضوعية والعلمية ، واخترعت له الأساليب والطرق الابتكارية التي أضافت جمالية إلى جماليته .

وهنا يأتي السؤال : ما هو السر وراء جمالية هذا الفن ؟

وكيف يمكننا التعرف على هذه الجمالية ؟ وهل بإمكان العقلية الإسلامية والعربية الحديثة الارتقاء بالخط العربي إلى ما هو أجمل ؟

وللإجابة على هذه التساؤلات لابد لنا من التعرف على الأساسيات التي تدخل في صميم هذه الجمالية وبخاصة تلك التي هي من طبيعة الخط العربي أو الناتجة عن عقلية الخطاط المسلم العربي أو النابعة من وجدان وروح البيئة التي عاشها ، وهذه الأساسيات توضح لنا أهم الجوانب الجمالية في هذا الفن ومنها :

• مفردات وأشكال الخطوط العربية .

• المرونة والمطاوعة .

• المقياس والنسب .

• الامتزاج الفني والروح في الخط .

• قابلية الخطوط العربية على التشكيل .

• التوثيق والتدوين .

كما أن هناك جمالاً إضافياً يدركه المرء ببصيرته قبل البصر وهو الجمال المعنوي للخط العربي ، حيث إن هذا الجمال فوق القواعد الخطية ، وهو أيضاً غير مدى تناسب الحروف والكلمات ، بل تلك هي روح الجمال . وبعبارة أخرى عبقرية الجمال حيث لا يدرك هذا الجمال ولا يفهم إلا من علا .

وقد أدرك الفنان المسلم هذا المعنى وما له من وقع في النفوس فسخر أقلامه لتزيين الآيات الكريمة فأطرب العيون بروعة إبداعاته التي استلها من جمال روحه ورقة عاطفته .

ومن هنا انصرف الناس منذ القدم إلى تعلم هذا الفن ودراسته ، معتمدين بذلك على استعداداتهم الفطرية ومواهبهم الطبيعية ، فبرز فيه أناس قديرون كشفوا كنوزه الفنية وأوضحوا مقاييسه ونسبه . فكثر بذلك الخطاطون الذين مارسوا هذا الفن ، ولما كانوا على درجات متباينة من الملكة في ضبط الخط في الحرف ، فقد أثرت هذه الحالة في قدراتهم مما نتج عنه نوعان من الخطاطين :

النوع الأول : الخطاط الاعتيادي :

وهو الخطاط الذي إدرك أساسيات الخطوط العربية وتعرف على أنواعها وبقي في حدود معرفته الضيقة ، ولم يتمكن من مسايرة روح عصره وظل خطه دون غاية قدرته حيث توقفت تجربته وتعسرت أنماطه فأصبح فنه اعتيادياً لا يؤثر في وسطه .

النوع الثاني : الخطاط المبدع :

وهو من أدرك أساسيات الخطوط العربية وتعرف على أنواعها فكان ولعه بها غريباً فأتى إنتاجه جيداً وتراكيبه جميلة ، حيث يتمتع بالقدرة على ابتكار أشكالٍ جديدة تفصح عن مهارته وحذقه وقدرته على الحفاظ على أصالة الخط ، واستطاع أن يجد لنفسه أسلوباً مميزاً ويمتلك نظرة فاحصة وملاحظة دقيقة متجردة عن الأنانية وهو بذلك استطاع أن يؤثر في وسطه .

وإذا كان الإبداع يتمثل في الكشف عن زوايا جديدة لم يلتفت إليها أحد ، فمن الطبيعي أن تكون حالة الإبداع في الخط العربي حالة غير عضوية بل تكمن وراءها جملة من الأسباب منها :

• مهارة الخطاط المبدع .

• الإثارة والإعجاب .

• التدريب المستمر والتركيز الذهني الجيد .

• حيوية الخطوط العربية .

• مواكبة روح العصر .

• التنافس المشروع .

تطور الخط العربي في العصر الأموي والعباسي :
إن التطور الواسع للخطوط العربية تشير وبدلالة قاطعة إلى قدرة الخطاط المسلم لمواكبة عصره الذي عاش فيه ، حيث تشير المصادر التاريخية أن الخطوط اللينة تولدت عن الخط الكوفي وأن الخطاطين العرب الأوائل ينسب إليهم اختراع هندسة الخطوط وإيجاد أنواع جديدة في الخط العربي كالطومار وخفيف الثلث وثقيل الثلث وغير ذلك من الأنواع التي اندثر معظمها .

كما أن الخطاطين الأتراك أوجدوا الخطوط الهيمايونية واخترعوا خط الطغراء والسياقة ، كما ينسب للإيرانيين اختراع خط النستعليق .

كما أن لوجود روح المنافسة أثره البالغ في تطور الخط العربي حيث إن إتقانهم للخطوط العربية وتجويدها أدى إلى استنباط حالات جديدة تمخضت عنه ولادة خطوط لم تعرف من قبل ونشأت مدارس لتحسين الخطوط العربية وابتكار أساليب مبسطة لتعليم الخط العربي ، انتشار كراريس خطية لتعليم الناشئة ، والمعارض الخطية في العراق .

وقد كان للمبدعين من الخطاطين في العصرين الأموي والعباسي اليد الطولى في ظهور الناحية الفنية والتي أخذت مساراً تصاعدياً في أزمان لاحقة .

ومن أبرز الخطاطين المبدعين في هذين العصرين :
• خالد يحيى الهياج : حيث اشتهر بكثرة كتابته للمصاحف والتجويد بها .

• قطبة المحرر : لمع نجمه في العصر الأموي حيث أصبح نموذجاً فريداً عند أهل الخط في زمانه ، و ينسب إليه الخروج من الشكل الكوفي إلى الشكل الذي هو عليه الآن ، وقد اخترع القلم الصدمار والجليل ، كما فتح بعلمه هذا باب الاستباط والاختراع في إيجاد قواعد جديدة للخط .

• الضحاك بن عجلان وإسحاق بن حماد : اشتهر هذان الخطاطان بجودة خطهما وهما من قاما بزيادة عدة الأقلام إلى اثني عشر قلماً .

• إبراهيم الشجري : أخذ عن إسحاق بن حماد قلمه الجليل وهو أكبر الأقلام الذي كان يكتب بها واخترع خط الثلث والثلثين .

• أبو علي محمد بن علي بن الحسن بن مقلة : خطاط بارز في العصر العباسي ولد سنة 272 هـ ، ابتكر القوانين والقواعد لكل حرف من حروف الخط العربي ، وهو أول من أطلق على قلم النسخ اسم البديع وأجاد خطاً عرف بالدرج وكتب المصحف مرتين .

• علي بن هلال البغدادي : أخذ الخط من محمد بن أسد ومن محمد بن السمسماني ، من خطاطي العصر العباسي ، امتاز خطه بالتنسيق وجمال التركيب كما كانت لديه مواهب متعددة إلى جانب الخط كالتذهيب والتصفيح ، وينسب إليه الخط المعروف بالمحقق .

• ياقوت المستعصم : يلقب بأبي الدر جمال الدين ياقوت المستعصم ، اشتراه الخليفة العباسي المستعصم بالله ، نشأ في دار الخلافة حتى بلغ مرحلة عالية فقصده الناس من كل حدب وصوب ، أخذ عنه الكثيرون منهم نجم الدين البغدادي شق طوراً جديداً في قاعدة ابن البواب وكتب المصاحف والدواوين والأحاديث .