...عندما أوغل السندباد وعاد...صلاح عبد الصبور

عندما أوغل السندباد وعاد


..كل شئ تجلى له و تكشف..
كان إنحدار المياه إلى منبع النهر حتما،
و صار الرحيل
مللا يستطيل
ثبت السندباد مجاديفه،و أدار الشراع عن الريح
وإستعد ليوم المعاد
***
فى فصول الرحيل الطويل
عرف السندباد الصباحات
عرف السندباد الأماسي
***
مان بعض الصباحات يتسع البحر فيه،
ويصبح كونا من الطيب واليشب،والشمس
مجمرة تتدلى سلاسلها الذهبية،ثم
يعانقها الغيم،تبتل حافتها بالندى،
كاشفا سر ألوانها السبعة المستكنة فيها
يخرج البحر ألوانه
يمزج البحر ألوانه
يتبارى مع الشمس وصلا وعشقا، ويبذل
حتى تحل العرى،ويذوب الوجوم
زبرجدة يصبح البحر،ينفث لؤلؤه
الزبدي،و يملؤك الفرح يا سندباد كما
امتلأت حبة بالرحيق، وتمثل للنزع والنسم
صدرك قيثارة تتناوب فيها أصابعها الخشنات
الرقيقات...
ينتشى السندباد و بمرأى الزمان يعود
إليه،وينفى ويثبت فيما حوت عينه من رؤى،
و ما احتملت من ظلال البلاد
وما احتملت من شجى كامن أو أسى مستعاد
ويبحر فى عرقه ودماه،و يرسي بشط
الزمان البعيد القديم
***
وتعود للسندباد طفولته، وتعود الحقول
حقولا،ويعود الغدير ليمتد كى تتأرجح فى
جانبيه الحقول
وتعود السكينه كى تتمدد فوق الغدير
ونعود نجوم المساء
لكى تتناثر فوق ملاءتها أرخبيلا
يطوف بين جزائره السندباد
زمنا مستعاد
***
ويعدو.. ويعدو
يضحك السندباد لصورته، وهو يعدو
وتصلصلفى قلبه الطفل أجراسه الذهبية،
يعدو..ويعدو
ويعود إليه صباه رغيفا،ونهدين
كانا يميلان فى صوره، يلثمان معا بين خاصرتيه،
لقد خانك الوقت يا سندباد، تسرب فوق رمال
حياتك ، لولا فم البحر،أسنانه الزبدية،
لولا عناق الرياح ةأنفاسها فى وتينك كانت
حياتك مقفرة كشتاء الصحارى، وملساء
مثل صخور الشواطئ،كنت قضيت من
الوجد والحزن ،أوغل اذن سندباد ،اخترق
خيمة الأفق، و ادخل..
ترشف نداها البليل، ارتعد نشوة،
وتحول عمودا من الفرح والنار،ينتفض جدرانها،
يتلهب فى عمقها، ثم يهوى كبرق أضاء، كبرق
خبا
..وتقضي زمان الصبا
***
كان بعض الصباحات ينكمش البحر فيه،
ويغدو أديما من الجلد،أسود مغضوضنا
لزجا بالطحالب والسمك الميت والزيت،تلهث
نحو الأديم شفاه المياه مشققة عطشا للرياح
..أهذا هو البحر ؟
لحد من الماء،واد من الخضرة المطفأة
..أهذا هو البحر ؟
موت تئن به جهشات المجاديف معولة، والشموس
ممزقة فى جهات السماء
***
كان بعض الأماسى غطاء جميلا كجسم امرأة
كان بعض الأماسي غطاء ثقيلا كقبر
كان بعض الأماسي ثوبا شفيفا،ذيول
الطواويس،نثر النوافير،أعراف خيل
الرياح العراب
يمتطى السندباد الظلام المنقط بالضوء،
يبحر نحو مياه السموات، وحدك تمضى
أيا سندباد، وقد ثمل الندماء واغفوا،
ونامت أيادى رجالك فوق المجاديف، لا
شاهد لإرتفاع البراقع إلا عيونك،
جزت طباق الهواء الثمان الكثيفه..
بحره سبع سماوات، وأصبحت معنى
تحوم فيه المعانى..
وجدت..فقدت..وجدت..
ورأيت الذى قد سمعت
وسمعت الذى قد رأيت
***
كان بعض الأماسي ثوبا صفيقا من الزيت
والقار، الريح ساكنة كالزجاج،على وجههها
البارد المستطيل تخثرت الظلمات كدم..
اخلفت وعدها السحب، لم تتفتح
حدائقها عن زهور النجيمات ، لم يرد البدر
أباره فى حقول السحاب، وما تبعته عيونك
وهو يرطب خديه فى زرقة الماء أو خضرة
العشب ، نفسك مثقلة بالهموم ،أناخ
عليك المساء و أثقل حتى أنكسرت شجى
وانحللت هباء
ويثقل نفسك ما حملت من رؤى
وما احتملت من ظلال البلاد
وما احتملت من ظلال البلاد
وما احتملت من شجى كامن، أو أسى مستعاد.